الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: القانون **
يشتمل على أربع مقالات: قد بيّنا في الكتاب الأول أصناف تفرق الإتصال على النحو الذي وجب في مثل ذلك الموضع ونريد أن نشير الآن إلى جمل من أحوالها يجب أن تكون معلومة لنا أمام ما نريد أن نبينه فنقول أنا نروم في بعض الأعضاء التي تفرق اتصالها أن يعود اتصالها كما كان وذلك في مثل اللحم ونروم في بعضها أن يبقى تماسها بحافظ وإن لم يعد اتصالها وذلك العظم اللهم إلا في عظام الأطفال والصبيان فقد رحى فيهم ذلك العود. وأما العصب والعروق فقد قال قوم من الأطباء أنها لا تعود متصلة بل ربما يبقى عليها تماس وأما جالينوس فقد أنكر عليهم وقال بل قد تلتحم الشرايين أيضاً بمشاهدة التجربة وتجويز من القياس أما المشاهدة فلأنه قد رأى الشريان الذي تحت الباسليق ورأى شرايين الصدغ والساق قد التحمت. وأما التجويز الذي من القياس فلأن العظم طرف في الصلابة لايلتحم إلا قليلاً في الأطفال واللحم طرف في اللين يلتحم والعروق والشرايين: متوسطة بين العظام واللحم فيجب أن يكون حالها بين بين فتكون أقلّ قبولاً للإلتحام من اللحم وأسهل قبولاً له العظم فتلتحم إذا كان الشق قليلاً صغيراً والبدن رطباً ليناً ولا تلتحم فيما خالفه وهذا ضرب من الإحتجاج خطابي والمعول على التجربة. فصل في جملة في الجراحات من الأعضاء أعضاء إذا وقع فيها جراحة عظم الضرر وقتل في الأكثر وربما لم يقتل في النادر كالمثانة والكلى والدماغ والأمعاء الدقاق والكبد مع أنه يمكن أن يسلم عليها إذا كانت خفيفة. وأما القلب فلا يتوقع السلامة مع حدوث جراحة فيه وأكثر من يعرض له جراحة في بطنه فإذا عرض له تهوعّ أو فواق أو استطلاق بطن مات. وإذا كانت الجراحة في مواضع يجب أن يشتد فيها الوجع والورم كرؤوس العضل وأواخرها وخصوصاً العصبانية منها ولم يحدث ورم دل ذلك على آفة مستبطنة انصرفت إليها المواد فلم تفضل للجراحة ويجب أن تتأمل ما نقوله في باب القروح من أحكام تشترك فيها القروح والجراحات أخرناها إلى هناك التماساً للأوفق. فصل في كلام كلي في علاج الجراحات الجراحة اللحمية لا يخلو إما أن تكون شقاً بسيطاً مستقيماً ومدوراً أو ذا أضلاع أو شقاً مع نقصان شيء من اللحم وقد يكون غائراً نافذاً وقد يكون مكشوفاً ولكل واحد تدبير ويشترك الجميع في حبس الدم السائل. وقد جعلنا له باباً وربما كان سيلان قدر معتدل من الدم نافعاً للجراحة يمنع الورم والتبثير والحمى. فإن من أفضل ما يعني به في الجراحات أن تمنع تورّمها فإنه إذا لم يعرض ورم تمكن من علاج الجراحة. وأما إذا كان هناك ورم أو كان رض وفسمح اجتمع في خلله مع الجراحة دم يريد أن يرم أو يتقيح لم يمكن معالجة الجراحة ما لم يدبر ذلك فيعالج الورم وإن احتقن في الرض دم فلا بد من أن يتعجل في تحليله إن كان له قدر يُعتد به وتمديد وذلك بإحالته قيحاً وتحليله وذلك بكل حار لين مما قد علم ولهذا ما يجب أن يعان سيلان الدم إذا قصر فإن كان الشق بسيطاً مستقيماً لم يسقط منه شي كفى في تدبيره الشدّ والربط ومنع الدهانة والمائية عنه ومنع أن يتخلله شيء من الأشياء ولا شعره ولا غيره بعد حفظك المزاج العضو واجتهادك في أن لا ينجذب إلى العضو إلا دم طبيعي. وإن كان عظيماً لا تلتقي أطرافه لأنه مستدير متباعد أو مختلف الشكل أو قد ذهب منه لحم قليل غير كثير فعلاجه الخياطة ومنع اجتماع الرطوبة فيه باستعمال المجفّفات الرادعة واستعمال الملصقات التي نذكرها وإن كان غائراً فالشد أيضأ قد يلصقه كثيراً ولا يحتاج إلى كشفه وربما احتيج إلى كشفه إن أمكن وذلك حين ما لا ينفع شيء برباط يوثقه كما يبينه وخصوصاً حيث لا يقع الشدّ الجيد على أصل الغور فتنصبّ إليه مواد لضعفه وللوجع ولأحوال نذكرها في باب القروح وإذا احتيج إلى كشفه لم يكن بد من وضع قطنة أو ما يجري مجراها على فوهته تنشفه خصوصاً حيث يكون الشد لا يقع على الأصل كما قلنا أو تكون نصبته نصبة لا يمكن أن تنصب المادة الرديئة عنه أو يكون فيه عظم أو يكون قد انحرف وصار ناصوراً وصار فيه رطوبة رديئة جداً وهو حينئذ في حكم القروح دون الجراحات. قال العالم إنما يحتاج الجرح إلى الربط الجامع للشفتين إذ أريد الالتزاق واللحام. وأما إذا كان يحتاج إلى أن ينبت فيه لحم فلا يحتاج إلى ذلك لكن يحتاج مرة إلى الرباط الذي يصب الوضر من فيه ومرة إلى رباط بقدر ما يمسك الدواء عليه. قال وتحرى أن يكون لفوهة الجرح مكان ينصب الوضر منه دائماً بطبعه إما بأن يوقع البطّ هناك وإما بأن يشكله بذلك الشكل فإني قد أبرأت جرحاً كبيراً كان غوره حيث الركبة وفوهته في الفخذ من غير أن جعلت له فوهة أخرى أسفل عند الركبة لكن نصبت الفخذ نصبة كان القعر فوق والفوهة أسفل فبرىء من غير بط في الأصل وكذلك قد علقت الساعد والكف وغيره تعليقاً تكون الفوهة أبداً إلى أسفل فهذا قوله ونقول ربما وقعت الجراحة حيث يوجب عليك القطع التام وإبانة العضو. وأما إذا كانت الجراحة انقطع منها لحم كثير فتحتاج إلى المنبتات للحم وليس يكفي ما يجفف ويمنع بل ربما ضر المجفف والمانع من جهة ما يردع مادة ما ينبت منه وقد يكون الغور والنقصان من العظم بحيث لا يمكن أن ينبت بالتمام فيبقى غور كما أنه قد يتفق أن ينبت أكثر من الواجب فيكون لحم زائد ويجب أن يغذى المريض المراد نبات اللحم في جراحته بغذاء محمود جيد الكيموس وقد يكون المنبت بحيث يمكنه أن ينبت اللحم وأما الجلد فلا ينتبه إذا كان قد انقطع بكفيته بل إنما ينبت مكانه لحم صلب لا ينبت عليه شعر وأما العروق فكثيراً ما تتولد شعبها وتنبت كاللحم. ومن الجراحات جراحات ذوات خطر مثل الجراحات الواقعة في الأعصاب وأطراف العضل وسنذكرها في باب أحوال العصب وكثيراً ما يتبعها أعراض منكرة رديئة مثل ما يتبع جراحة طرف العضل من تغير اللون وسقوط النبض بعد تواتر وصغر ويتأدى إلى الغشي وسقوط القوة وقد يتبعها التشنج. وكذلك التي تقع قدام الركبة عند الرضفة فإنها تتبعها أعراض منكرة رديئة وهي قاتلة فلما يتخلص عنها وإذا وقع تشنج من مثل هذه الجراحات العضلية ولم تقبل العلاج فالعلاج قطع العضلة عرضاً والرضا ببطلان فعل العضلة ولكن ذلك مما يجب أن يؤخّر ما أمكن علاج التشنّج واختلاط العقل بشيء آخر غيره ومثل جراحة الركبة ربما احتاج أن يوضح بشق صليبي وأن يستظهر في أورامه وقروحه وجراحاته بالفصد والإسهال ومنع الإلتحام حتى يتنقى تنقية بالغة ثم يلحم. فصل في تعريف قوة ما ينبت وما يلحم وما يختم وما يأكل من الأدوية الدواء المنبت للحم: هو الذي يعقد الدم الصحيح لحماً فإن كان له تجفيف شديد منع الدم الوارد فلم تكن مادة للحم وإن كان له جلآء شديد أزاله وسيّله فأنفذ المادة الموجودة للحم فيجب أن لا يكون لِه كبير تجفيف بل إلى حدّ ولا جلآء قوي جداً بل جلآء قليل قدر ما يجلو لو ضر من غير لذع ولا يحتاج إلى قبض يعتد به ويحتاج أيضاً أن يكون في الحرارة والبرودة والقرحة في مزاجها إن كانت زائلة فبالضد بقدر الزوال وإن كانت غير زائلة زوالاً يعتد به فبالمشاكل للحار جداً حار جداً وللبارد جداً بارد جداً وتراعي أيضاً تأثر الدواء في الموضع ليقابله إن أفرط في إساءة المزاج. وأما الأدوية الملحمة: فهي التي تجمع بين المتباعدين ولا تحتاج أن تتصرف إلا في سطحيهما فتلصق بينهما بالنداوة التي في جوهرهما وإن كان دم حاضر فهي التي تجفف الدم الحاضر في الجرح المكتفى به في الإلصاق تجفيفاً سريعاً قبل أن يتقيح ولا يمكنها ذلك إن لم يكن معها فضل قوة على التجفيف ولكن يجب أن لا تكون جالية فإن الجلاء ضد الغرض فيها لأن الغرض فيها جعل الحاصل من الدم غراء ولصوقاً والجلاء يجلو ذلك الدم ويبعده فتنقذ المادة التي تتوقع منها التغرية وليس تحتاج إلى نقصان في التجفيف كما تحتاج إليه المنبتة لأن المنبتة تحتاج إلى أن تسيل إليها المادة وتلك المادة يمنع سيلانها التجفيف والملحمة لا تحتاج بل تحتاج الملحمة إلى تجفيف أقوى ويسير قبض والمدملة الخاتمة أشد حاجة إلى القبض منهما جميعاً لأنها تحتاج إلى أن تجفّف ما هو بالطبع أشد جفافاً أعني الجلد ولأنها تحتاج أن تجفّف الرطوبة الغريبة والأصلية تجفيفاً شديداً جميعاً وما قبله كان تحتاج إلى أن تجفف الرطوبة الغريبة تجفيفاً أكثر والأصلية تجفيفاً بقدر ما يغري ويغلص ولا ينقص من الجوهر. وأما الأكالة الناقصة اللحم فيجب أن تكون فصل في بط الجرح وغيره إذا احتيج إلى كشفه قال جالينوس: يجب أن تشق من أشد موضع منه نتوء واركه ويكون توجيه البط إنما هو إلى الناحية التي يمكن مسيل القيح منها إلى أسفل وأن يراعى في البط الأسرة والغضون على الوجه الذي ذكرناه في باب الخراجات والدبيلات إلا فيما استثنيناه. وأما في مثل الأربية والإبط فيجب أن يذهب البط مع الجلد في الطبع ثم توضع عليه المجففات من غير لذع مما هو مورد في جداول الأدوية المفردة ودقاق الكندر أفضل فيها من الكندر لأن ذلك أشد قبضاً والصواب في علاج الخراجات إذا بطت أن لا يقربها الماء وإن كان ولا بد ولم يصبر العليل عن الإستحمام فيجب أن يغيب الجرح تحت المراهم الموافقة مغشاة من الخرق المبلولة بالدهن تغشية تحول بين ماء الحمام ورطوبته وبين الجراحة أو تحتال في ذلك بشيء من الحيل الممكنة فيه. فصل في تدبير الجراحات ذوات الأورام والأوجاع تحتاج أمثال هذه الجراحات إلى الرفق وأن يعتقد أن الجراحة لا تندمل البتّة ما لم يسكن الورم ولا يتم ذلك إلا بما فيه تجفيف وتبريد في أول الأمر وإرخاء في الثاني وأن تستعمل فيه علاج الأورام بالجملة ومما هو خاص بذلك مع عموم نفعه في كل عضو ومن الرأس إلى القدم أن يؤخذ رمانة حلوة فتطبخ بشراب عفص ويضمّد بها الموضع ويجب أن تتأمل إلى ما يؤول إليه حال الورم مثل أنك إن كنت استعملت المرهم الأسود فرأيت الجراحة تشتدّ حمرتها أو تتنقّط ملت إلى المبرّدات وإلى المرهم الأبيض وإن رأيتها تترهّل أو تتصلب وقد استعملت الأبيض استعملت الأسود أو غيره. فصل في تدبير كلي في جراحات الأحشاء من باطن وظاهر الغرض فيما يتوهّم أنه شق وصدع من باطن أن يلحم ولا يترك الدم يجمد في الباطن وأن يمنع نزف الدم والأدوية النافعة في الغرضين الأولين مثل البلابس إذا طبخت في الخلّ أو يسقى من القنطوريون الكبير وزن درهم واحد وللطين المختوم في ذلك غناء عظيم. وأما ما يسقى بسبب منع النزف فمثل وزن دانق ونصب من بزر البنج بماء العسل وسائر الأدوية المذكورة في منع نزف الدم ونفثه. وأما الجرح والشق الظاهران فقال العالم: إن انخرق مراق البطن حتى تخرج بعض الأمعاء فينبغي أن تعلم كيف يضم المعي ويدخل فإن خرج شيء من الثرب فيحتاج أن تعلم هل ينبغي أن يربط برباط وثيق أم لا وهل تخاط الجراحة أم لا وكيف السبيل في خياطته وقد ذكر جالينوس تشريح المراق. وذكرناه نحن في التشريح. قال: ولما قد ذكرنا في التشريح فموضع الخصرين أقل خطراً إذا انخرق من موضع البهرة والبهرة وسط البدن والخصران من الجانبين مقدار أربع أصابع عن البهرة قال: لأن الشقّ إذا وقع في موضع البهرة خرجت الأمعاء معه أكثر وربما فيه يكون أعسر وذلك أن الشيء الذي كان يضبطها إنما كان العضلين المنحدرتين في طول البدن اللتين تنحدران من الصدر إلى عظم العانة ولذلك متى انخرقت واحدة من هاتين العضلتين فلا بد أن يخرج بعض الأمعاء وينتؤ من ذلك الخرق وذلك لأن العضل التي في الخصرين تضغطه ولا تكون له في الوسط عضلة قوية تضبطه فإن تهيأ أن تكون الجراحة عظيمة خرجت عدة من الأمعاء فيكون إدخالها أشد وأعسر. وأما الجراحات الصغار فإن لم تبادر بإدخال المعي من ساعته انتفخ وغلظ وذلك لما يتولد فيه من الريح فلا يدخل من ذلك الخرق ولذلك فأسلم الجراحات الواقعة بالمراق الخارقة ما كان معتدلاً في العظم. قال: وتحتاج هذه الجراحات إلى أشياء: أولها أن يرد المعي البارز إلى الموضع الذي هو له خاصة والثاني: أن يخلط والثالث: أن يوضع عليه دواء موافق والرابع: أن يجتهد أن لا ينال شيئاً من الأعضاء الشريفة من أجل ذلك خطر. إن كانت الجراحة من الصغر بحال لا تمكنها لصغرها أن يدخل المعي البارز وعند ذلك لا بد إما أن تحلل تلك الريح وإما أن توسع ذلك الخرق وإن تحلل الريح أجود إن قدرت عليه والسبب في انتفاخ المعي هو برد الهواء فلذلك ينبغي أن تغمس إسفنجة في الماء الحار وتعصرها وتكمّد بها الشراب القابض إذا أسخن أيضاً كان نافعاً في هذا الموضع وذلك أنه يسخن أكثر من إسخان الماء ويقوي الأمعاء فإن لم يحلّل هذا العلاج انتفاخ المعي فليستعمل توسيع الجراحة. وأوفق الآلات لهذا الشق الآلة التي تعرف بمبط النواصير فأما سكاكين البط الحادة من الوجهين والمحددة الرأس فلتحذر وأصلح الأشكال والنصب للمريض إن كانت الجراحة متجهة إلى فوق فالشكل والنصبة المتجهة إلى أسفل. وليكن غرضك الذي تقصده في الأمرين جميعاً أن لا تقع سائر الأمعاء على المعي الذي برز فتنقله فإذا أنت فعلت هذا أو جعلته غرضك علمت أنه إن كانت الجراحة في الشق الأيمن فينبغي أن يأخذ المريض بالميل إلى الشق الأيسر وإن كانت في الأيسر أخذته بالميل إلى الأيمن ويكون قصدك دائماً أن تجعل الناحية التي فيها الجراحة أرفع من الناحية الأخرى فإن هذا أمر يعم جميع هذه الجراحات. وأما حفظ لأمعاء في مواضعها التي لها خاصة. بعد أن ترد إلى البطن إذا كانت الجراحة عظيمة فتحتاج إلى خادم جزل وذلك أنه ينبغي أن يمسك موضع تلك الجراحة كله بيده من خارج فيضقه ويجمعه ويكشف منه شيئاً بعد شيء للمتولي لخياطتها أو يعمد إلى ما قد خيط منها أيضاً فيجمعه ويضمه قليلاً قليلاً حتى يخيط الجراحة كلها خياطة محكمة وأنا واصف لك أجود ما يكون من خياطة البطن فأقول أنه لما كان الأمر الذي تحتاج إليه هو أن تصل ما بين الصفاق والمراق فينبغي لك أن تبتدىء فتدخل الإبرة من الجلد من خارج إلى داخل فإذا أنفذت الإبرة في الجلد وفي العضلة الذاهبة على استقامة في طول البطن كلها تركت الحافة من الصفاق في هذا الجانب لا تدخل فيها الإبرة وأنفذت الإبرة في حافته الأخرى من داخل إلى خارج فإذا أنفذتها فأنفذها ثانياً في هذه الحافة نفسها من المراق من خارج إلى داخل ودع حافة الصفاق الذي في هذا الجانب وأنفذ الإبرة في حافته الأخرى من داخل إلى خارج وأنفذها مع إنفاذك لها في الصفاق في حافة المراق التي في ناحيته حتى تنفذها كلها ثم ابتدىء أيضاً من هذا الجانب نفسه وخيطه مع الحافة التي من الصفاق في الجانب الخارج وأخرج الإبرة من الجلدة التي بقربه ثم رد الإبرة في ذلك الجلد وخيط حافة الصفاق التي في الجانب الآخر مع هذه الحافة من المراق وأخرجها من الجلدة التي في ناحيته وافعل ذلك مرة بعد أخرى إلى أن تخيط الجراحة كلها على ذلك المثال فأما قدر البعد بين الغرزتين فيجب أن يتوقى الإسراف في السعة والضيق فإن السعة لا تضبط على ما ينبغي والضيق يتفزر. والخيط أيضاً إن كان وترياً أعان على التفزر وان كان رخواً انقطع فاختر بين اللين والصلب وكذلك إن عمقت الغرز في الجلد وإن أبعد من التفزر إلا أنه يبقى من الخيط داخل الجراحة لا يلتحم فاحفظ الاعتدال ههنا. قال أيضاً: واجعل غرضك في خياطة البطن إلزاق الصفاق بالمراق فإنه يكد ما يلتزق ويلتحم به لأنه عصبي وقد يخيط قوم على هذه الجهة. ينبغي أن تغرز الإبرة في حاشية المراق الخارجة وتنفذها إلى داخل وتدع حاشيتي الصفاق جميعاً ثم ترد الإبرة وتنفذها ثم تنفذ الإبرة في حاشيتي الصفاق جميعاً بردك الإبرة من خلاف الجهة التي ابتدأت منها ثم تنفذها في الحاشية الأخرى من حاشية المراق وعلى هذا. وهذا الضرب من الخياطة أفضل من الخياطة العلمية التي تشلّ الأربع حواشي في غرزة وذلك أنها بهذه الخياطة أيضاً التي قد ذكرنا قد يستتر الصفاق وراء المراق ويتصل به استتاراً محكماً. قال: ثم اجعل عليه من الأدوية الملحمة والحاجة إلى الرباط في هذه الجراحات أشدّ ويبلّ صوف مرعزي بزيتٍ حارٍ قليلاً ويلفّ على الإبطين والحالبين كما يدور وتحقنه بشيء مليّن أيضاً مثل الأدهان والألعبة وإن كانت الجراحة قد وصلت إلى الأمعاء فجرحته فالتدبير ما ذكرناه إلا أنه ينبغي أن يحقن بشراب أسود قابض فاتر وخاصة إن كانت الجراحة قد بلغت أو نفدت وراءه والمعي الصائم لا يبرأ البتّة من جراحة تقع فيه لرقة جرمه وكثرة ما فيه من العروق وقربه من طبيعة العصب وكثرة انصباب المرار إليه وشدّة حرارته لأنه أقرب الأمعاء من الكبد. قال جالينوس في كتاب حيلة البرء وليكن غرضك عند انخراق مراق البطن مع الصفاق أن تخيطها خياطة تلزق الصفاق بالمراق لأنه عصبي بطيء الإلتحام بغيره وذلك بنوع الخياطة التي ذكرناها لأنها تجمع وتلزق وتلزم في غرزة الصفاق قال: والأمعاء إذا خرجت فادع شراباً أسود قوياً فيسخّن ويغمس فيه صوف ويوضع عليه فإنه يبدّد انتفاخها ويضمرها فإن لم يحضر فاستعمل بعض المياه القوية القبض مسخناً فإن لم يحضر فكمّده بالماء الحار حتى يضمر فإن لم يدخل في ذلك فوسّع الموضع. قال بقراط: إذا خرج الثرب من البطن في جراحة فلا بد أن يعفن ما خرج منه ولو لبث زماناً قليلاً وهو في ذلكَ أشدّ من الأمعاء والكبد لأن الأمعاء وأطراف الكبد إن لم تبق خارجة مدة طويلة حتى تبرد برداً شديداً فإنها إذا أدخلت إلى البطن والتحم الجرح تعود إلى طباعها. فأما الثرب فإنه وإن لبث أدنى مدة فلا بدّ من أنه إن أدخل البطن ما بدا منه أن يعفن ولذلك تبادر الأطباء في قطعه ولا يدخلون ما بدا منه إلى البطن البتّة فإن كان قد يوجد في الثرب خلاف هذا فذلك قليل جداً لا يكاد يوجد وإن خرج شيء من الثرب فيحتاج أن تعلم هل ينبغي أن يقطع أو لا وهل ينبغي أن تخيط الجراحة أم لا وكيف تخيط فإن وقعت الجراحة بالبهرة وهي وسط البطن فهي أكثر خطراً لأن أطراف العضل المغشي على البطن هناك وإن كان في الخصرين وهما عن جنبتي وسط البطن عن يمين وشمال نحو أربع أصابع فهو أسلم لأنه ليس فيه شيء من أطراف العضل العصبية. فأما موضع البهرة فخياطتها أيضاٌ عسرة وذلك لأن الأمعاء تنتؤ وتخرج عن الخرق الذي في هذا الموضع أكثر وردها في هذا الموضع أعسر وذلك أن الذي يضمها ويضبطها هو العضلتان الممدودتان في طول البطن اللحمتان اللتان تنحدران من الصدر إلى الركب وهو عظم العانة ولذلك متى وقعت الجراحة في هذا الموضع قطعت هذه العضلات فكان نتوء المعي أشد لأن العضل التي في الخصر تضغطه ولا يكون له في الوسط عضلة قوية تمسكه فإن تهيأ مع ذلك أن تكون الجراحة عظيمة فلا بدِّ أن ينتؤ ويخرج منها عدّة أمعاء فيكون إدخالها أعسر. فصل في كيفية ربط الجراحات أما الجرح والشق الظاهران إذا أردت أن يلتحما فاعمل بما قاله عالم من أهل هذه الصناعة. قال: إذا أردت أن يلتحم مثل هذا الشق فالزمه رباطاً يبتدىء من رأسين لا غير من الربط فإن كان عظيماً احتجت أن تلزمه رفائد مثلّثة وإن كان الموضع ممتلئاً احتاج إلى الخياطة أيضاً. والرفائد المثلثة خير في جمع شفة الجرح من المربعة لأنها تضبط على الشق فقط ووضع الرفائد المثلثة على هذا المثال ليكون الشقّ الخط المستقيم بين المثلثين والرفادتان المثلثتان إحداهما ب والأخرى ج يهندمان على الشكل الذي تراه فإذا ربطت هذه المواضع ووقع رباط من رأسين كان ضبط الرباط على موضع الشقّ أشد من أن يكون مربعاً ولا يجوز في ضم الجرح رباط غير ذي الرأسين فهذه هي الرفائد المثلثة وشكل الشدّ هذا: وقيل في كتاب حيلة البرء: كان برجل جرح كان غوره قريباً من الأربية وفوهته قريبة من الركبة فأبرأناه بلا بط البتة بأن جعلنا تحت ركبته مخاد ونصبناه نصبه صارت فوهته منصوبة بسهولة. وكذا عملنا بجروح كانت في الساق والساعد فبرئت كلها بسهولة قال ومن قد عانى التجربة يعلم أن الجراحات التي تحتاج أن يصير دمها مدة فإن مكثه في داخل إلى أن يتغير معه سائر ما هناك أجود وأسرع للتغير معاً. الجراحات المتبرية المتباعدة الشقتين تحتاج أن تجمع برباط يجمع شفتيها إِلا أن يكون عليها من ذلك وجع أو تكون وارمة فيتجمع لذلك ولو كان برفق أو يكون عضلة قد انبرت عرضاً فإنه حينئذ لا يجمع بل يجعل في وسطه فتيلة خوفاً أن يلتحم الجلد وتبقي العضلة غير ملتحمة. قال: وكذلك إذا شققنا جلدة الرأس وضعنا بين الشفتين شيئاً يملؤه وربما انقبضت جلدة الشفاه إلى داخل القرحة فتحتاج حينئذ أن تورم بالرباط أن تجذبه إلى خارج وإذا وقعت الجراحة بالطول فالرباط يبقى ليجمعها جمعاً محكماً وإذا كانت بالعرض احتاجت إلى الخياطة وبقدر غور الجرح يكون غور الخياطة الأولى من زيادة التشريح. قال: وربما اضطررنا أن نزيد في سعة الجرح إذا كانت نخسة وخفنا أن يكون لغورها يلتحم أعلاها ولا يلتحم قعرها أو يكون العضو المجروح في وقت ما جرح على شكل يكون إذا عاد إلى استوائه لم يمكن أن تسيل منه مدة ولا يدخله دواء وإن رد إلى شكله حين خرج هاج وجع فيضطر أن تشق شقاً موافقاً. واعلم على الجملة أن ما يقع من الجراحات في عرض العضلة هي أولى بأن يكون تباعد شفتيها أشد فلذلك تكون إلى الاستقصاء في جمع الشفتين أحوج وربما لم يكن بد من الخياطة واستعمال الرفائد المثلثة وخصوصاً إن وقع في اللحم نقصان والواقعة في الطول أقل حاجة إلى ذلك. فصل في الأدوية الملحمة للجراح هذه الأدوية قد وصفنا قوتها وموضع اتصالها ولا شكّ أن الذرور منها يحتاج أن يكون أقل قوة من المتخذ بالأدهان والقيروطيات والحاجة الداعية إلى الأدهان والقيروطيات هي بسبب أن الأدوية اليابسة وخصوصاً ما كان مثل المرداسنج وسائر المعدنيات لا تغوص إلى القعر ولا تنفذ في المسام فإذا جعل منها قيروطي بلغها سيلان الدهن إلى حيث شئنا. وهذه الأدوية الملحمة قد تكون من المعدنيات وتكون من النباتيات ومن الحيوانيات ومن كل صنف وهي من المعدنيات مثل الاسفيذاج بدهن الآس والشمع. ومن النباتيات الأوراق: مثل: ورق البلوط الذكر ضماد أو ورق الخلاف وورق الكرنب وورق شجر التفاح وقشر لحائه وورق لسان الحمل والحلفاء منقعاً بخل أو شيء من شراب وخصوصاً إذا خلط به ورق شجر الصنوبر الذكر والأنثى يربط بلحائه وورق السرو وأغصانه وأوراق فنطافلون مع عسل ومن الصموغ علك البطم خصوصاً بقرب الأعصاب الكثيرة. ومن الثمرات والحبوب: الجوز الطري مسحوقاً بماء وملح أو شراب مغلي بورق الحماض أو ورق السلق أو الخسّ والكمّثري البرية مع ما فيه من منع النزلة وجوز السرو والثوم المحرق وغبار الرحا والشعر المحرق وخصوصاً للمشايخ مع شمع ودهن ورد ومن الزهر فما يشبه زهر الزعرور وحشيشة ذنب الخيل وخصوصاً في جوار حشو من عضو أو لحم وللجراحات القريبة من رؤوس العضل. ومن الحيوانات: اللبن الحامض جداً ملصق للجراحات العظيمة ومن المركبات: دواء دياروفس والدهنية ودواء نيقولاس ودواء الخلاف بمشكطرا مشيع ومرهم الكتان. فصل في الأدوية المدملة والخاتمة للجراحات وغيرها هذه الأدوية قد عرفت طبائعها وتعلم أيضاً أن الذرور منها يجب أن لا يكون في قوة ما يقع في المراهم والآن يجب أن تعلم أن هذه الأدوية لا يجب أن تستعمل وقد استوى سطح اللحم الصلب مع الجلد غاية الاستواء. وأما اللحم الرطب فقد يستوي ويزيد لكنه يكون بحيث إذا جف نزل بل إنما يجب أن تستعملها في الذي يكون إذا جفّ استوى وهذا شيء يعرف بالحدس فيجب أن تستعمل الدواء المدمل قبل أن يبلغ ثبات اللحم في الجراح التي ينبت فيها اللحم هذا المبلغ فإن المدمل أيضاً قد يزيد في حجم اللحم إلى أن يندمل وتزيد معه القوة الطبيعية فيزداد على هذا المبلغ بل يجب أن يكون بحيث إذا جفف وفعل فعله يكون قد أنبتت الطبيعة المقدار المحتاج إليه مع بلوغ المدمل غايته في الإدمال حتى يكون توافى الفعلين محصلاً من اللحم والجلد المدركين قدر ما يستوي به السطح المجروح فإن لم يراع هذا أوشك أن يصير أثر القرحة أعلى من الجلد يجب أن تستعمل الخاتم في أول ما تستعمله رطباً ثم تستعمله يابساً عندما يقارب الختم تمره عليه بطرف الميل وهذه الأدويه هي مثل: لحاء شجر الصنوبر بقيروطي من دهن ورد أو آس والراتيانج اليابس والقيسور المشوي وقشور النحاس ودقاق الكندر والمرداسنج والقنطوريون الصغير والعروق جيدة والعظام المحرقة أيضاً والزراوند المحرق شديد الإعمال والشب أيضاً والعفص الفج وورق التين. وقد كنى عنه بقراط برجل العقعق كما قالوا ويشبه أن يكون عنى به الحشيشة المعروفة برجل الغراب وجفر الكلب الآكل للعظام وبعر الضب إلا أنه أجلى من الأول فيحتاج أن يكسر بالقوابض وأصل السوسن الإسمانجوني ولحاء أصل الجاوشير والتوتيا ومن المنبتات العجيبة في القروح الحارة المزاج المتوزمة الصندل والنيلوفر والصبر وخصوصاً في ناحية المقعدة والمذاكير. وقد يقع في أدويته الزاج والقلقطار وإن كانا من جملة الأكالات الناقصة للحم لكنها ربما أدملت في شديدة الرطوبة وخصوصاً إذا أحرقت فيصير إدمالها ليس أقل من أكلها لا سيما إن غسلت فصارت إلى الإدمال أميل. وأما الزنجار والأدوية الشديدة الأكل فلا تصلح لذلك إلا بتدبير قوي وفي بعض الجراحات والقروح الشديدة الرطوبة. وأما النحاس المحرق إذا غسل فهو جيد وخصوصاً المحرق والقلقطار المحرق والمرتك والاسفيذاج. وأما كيفية اتخاذ ذلك فأن يحل المراسنج والاسفيذاج بالخلّ ثم يستعمل والإقليميا يسحق والأجود أن يحرق ثم يخلط بذلك مع القلقطار ويشرب دهن الآس بالخل أو الشراب القابض وربما زيد عليه الزاج المحرق في الإدمال وإذا أريد أن تتخذ مراهم احتيج إلى ما هو أقوى من بين المدملات مثل الاقليمياء والجلنار والعفص إذا كانت الجراحة والقرحة شديدة صفة مرهم الكتان: وهو جيد عجيب ونسخته: يؤخذ خرقة كتان مغسولة نظيفة فتدق حتى تصير مثل الغبار والكحل ثم يؤخذ زيت قوي القبض أو دهن الآس ويجعل فيه من القنة شيء يسير ويذاب في الدهن ويجعل فيه الخرقة المدقوقة ويجعل منه مرهم فإنه عجيب. والمرهم الأسود قد ينبت وإذا أردت أن تقوي إنباته فاجعل فيه من الكندر والجاوشير والزراوند المجموعة بالسواء جزءاً يكون مثل وزن الأخلاط الأربعة. صفة ذرور خفيف: يؤخذ من الاسفيذاج والمرداسنج جزء جزء من خبث الرصاص والمر والعفص من كل واحد نصف جزء. ذرور آخر: يؤخذ صدف محرق إثنا عشر الرمان الصغار التي سقطت عن الشجر وجفت وقلقديس من كل واحد ستة عشر قرن الأيل محرقاً قيسور أقليميا ريتيانج أصل السوس من كل واحد أربعة دقاق الكندر لحا شجرة الصنوبر من كل واحد ستة قشور الرمان أسفيذاج شب من كل واحد ثمانية عفص واحداً يتخذ من جملة ذلك ذرور. ذرور آخر: يؤخذ فوة عظام محرقة مرداسنج من كل واحد درهمين كندر وصبر من كل واحد ثلاثة عنزروت ما ميثا درهم درهم يتخذ ذروراً. ذرور اَخر: يؤخذ ورد إسفيذاج الرصاص جلنار زر الورد شب بالسوية. صفة مرهم لجراحات أبدان المشايخ: وذلك أن يحرق الشعير ويتخذ منه قيروطي بدهن الورد أو دهن الآس بأسفيذاج الرصاص. فصل في الأدوية المنبتة للحم في الجراح والقراح وقد عرفت خاصية الأدوية المنبة للحم وأنها كيف ينبغي أن تكون في مزاجها ويجب أن تستعمل الأدوية المنبتة للحم وقد نقي الموضع عن الأوساخ ونحوها وإن لم تكن قاعدة الجراحة إلا العظم نقي ذلك العظم ويبس في الغاية ولم يترك فيه كمودة أوفساد إلا قشِر ولا رطوبة إلا جُفّت وخصوصاً في الرأس فإن ملامسة العظم ورطوبته أحد أسباب منع ثبات اللحم عليه وإذا حكّ وخشن كان ما يصير عليه من المادة التي يتولّد منها اللحم أثبت. واعلم أنه قد يكون دواء ينبت اللحم في بدن أو عضو ولا ينبت في الآخر وذلك لأنه ربما جفّف في بدن ولم يجفف في بدن آخر بحسب مزاجي البدنين وعلى ما علمت كربما أفرط الخلاء في بدن ولم يفرط في بدن ولم يجفف أصلاً إذ كان هذا الدواء يحتاج إلى تجفيف ما وإلى جلاء ما مقدرين بحسب البدن غير مطلقين والشيء المقدر يختلف تأثيره في أشياء ليست متفقة القدر في الانفعال. وكل مجفف يبسه أقلّ من يبس بدن يعالج به فإنه أيضاً يقصر عن إنبات لحمه بل يكون أيبس منه ولذلك صار الكندر لا ينبت في الأبدان اليابسة التي جاوزت الاعتدال في اليبس. والبحرية هي التي تعلم بها ما يكون من الجفاف والوقوف أو من نبات اللحم على الاستمرار أو من التوسخ. فإن رأيت تجفيفاً لا يكاد ينبت معه اللحم فرطب يسيراً وإن وسخ فزد في الدواء اليابس ودع المستمر على قوته. وربما كان أيضاً لبعض الأبدان مناسبة مع بعض الأدوية غير منطوق بعلّتها فلذلك يجب أن تخلط أدوية شتى ضعيفة وقوية. وأما اتخاذ المراهم والحاجة إليها فقد علمته ولا يجب أن تقتصر من الدواء على التجفيف والترطيب بل تراعي الكيفيتين الفاعلتين على حسب ما قدمنا ذكره ولا أيضاً على التجفيف والترطيب مع الفاعلتين إلا مع مراعاة مقايسة بين حال القرحة وحال مزاج البدن فإنه قد يكون البدن رطباً والقرحة يابسة وقد يكون البدن يابساً والقرحة رطبة وقد يكونان رطبين وقد يكونان يابسين فتستعمل في الأول ما هو أضعف مثل الكندر ودقيق الباقلاء ودفيق الشعير ونحوه. وإن كان البدن يابساً والقرحة رطبة جداً فيحتاج إلى أدوية شديدة التجفيف بالقياس إلى الأدوية المنبتة للحم مثل الزراوند وأصل الجاوشير والزاج المحرق وفي الباقي يحتاج إلى المتوسطات كالإيرسا ودقيق الترمس. وقد يتفق أن يكون بعض الأدوية فيه شيء من خصال تحتاج إليها الأدوية المنبتة للحم من تجفيف وجلاء ولكن يفرط فتصير مثلاً لتجفيفه الشديد حابساً للوضر ومانعاً للمادة ولفرط جلائه أكالاً فإذا خلط به غيره مما يضاده كسر منه وعدله فصار منبتاً مثل الزنجار فإنه إذا قرن به الزيت بالشمع وهما يرطبان العضو ويوسخانه فأومأ تجفيفه وشدة جلائه فصار مدملاً ويجب أن يكون الزنجار جزءاً من عشرة أجزاء من القيروطي إذا استعمل في الأبدان التي هي أيبس وجزءاً من إثني عشر جزءاً إذا استعمل في الأبدان التي هي أرطب ويجب أن تراعي في هذا إذا استعمل أيضاً الإمتحان المذكور. والمشايخ يحتاجون إلى أدوية فيها حرارة أكثر وجذب أقوى ويقع فيها مثل الزفت والكندر ودقيق الشعير ودقيق الباقلا ودقيق الكرسنة وأصل السوسن والزراوند والاقليميا وخشيشة الجاوشير وإذا امتنع دواء عن النفع ملت إلى غيره فإذا استعصت عالجت بما هو خاص بالقروح. فصل في علاج جراحة الشجاج وأما تدبير العظم فيها وما يعرض من أعراضها المخوفة فقد قيل في باب العظام والجبر. وأما ملحمات قروحه فالخارج منها يكفيه أدنى دواء مجفف خفيف ليذرّ عليه من الدواء الرأسي وهو متخذ من الصبر والمر والكندر ودم الأخوين وكذلك الأدوية الخفيفة من المذكورة في الجراح فإن كان هناك سيلان دم فيعالج بما ذكرناه في باب نزف الدم ويجب أن يطعم صاحبه أدمغة الدجاج مشوية ما أمكن فإنه على ما شهد به قوم مقو للدماغ وحابس للنزف وإن كان فيه رأي آخر. وكذلك ماء الرمان المر ويضمد بعصا الراعي. ومن الأدوية الجيدة للجراحة وللدم أن يؤخذ الخمير المحمض اليابس ويسحق ويذز عليه ولا يرطب. وأما ما يمنع الورم فالتضميد بدقيق الشعير والسميد معجوناً بزوفا رطب وكذلك سويق الشعير مع الفوتنج ينفع من رضّته وسائر التدبير يؤخذ من باب العظام. والوثي والسقطة والصدمة والحزق ونزف الدم ونحو ذلك. قد علمت في الكتاب الأول ما معنى الفسخ والهتك وأما الوثي فهو أن يكون قد زال العضو عن مفصله زوالاً غير تام ولا ظاهر بين فيكون خلعاً والوهن دون الوثي وكأنه أذى من تمدد يلحق الرباطات في المفصل وما يحيط به من اللحم لو كان معه أدنى زوال كان وثياً. ومن الناس من يسمي الوهن والمعنى الذي سميناه وثياً باسم عام ومن الناس من يسمي بالوثي الانفصال من أحد جانبي المفصل مثل أحد جانبي الكعب والرسغ مع لزوم الجانب الآخر وإن كان انفصالاً ظاهراً والذي نريد أن نقدمه ونتكلم فيه أولاً هو الفسخ الذي يعرض للعضل في أوساطها والهتك في أطرافها. . فصل في الفسخ والهتك إذا عرض للعضلة أن تفسخت عرض من ذلك بين أجزائها عدد من تفرق الاتصال كثير ينصبّ إليه لا محالة دم كثير لا محالة أن ذلك تورّم وأقلّ أحواله أن يجتمع فيه دم فيعفن لأنها أكثر مما يرجى. تحلّله من المنافس وخصوصاً عن منافس ضاقت بالضغط الواقع من الفاسخ خازجاً وبالضغط الواقع من الورم داخلاً ولذلك إن لم يتدارك الأمر فيه تأدى إلى فساد العضو وربما تبع الفسخ والسقطة والصدمة غدة فيجب أن تبادر إلي علاجها لئلا يتسرطن ولا يجب أن تشتغل في الهتك بإعادة اتصال الليف المنقطع بل بتسكين الوجع. فصل في الملاج قد لا يوجد في كثير من الأحوال في هذه العارضة بدّ من الفصد بل أصحاب الصناعة يبادرون إلى ذلك وإن كان البدن نقياً وإذا وقع الفصد وبودر إلى الأضمدة المانعة المشددة لم يعرض منه ما يحتاج إلى علاج يحتفل به كان منعها بتبريد وقبض أو بواحد منهما وأما إذا تأخر ذلك وبادر الدم إلى خلل التفرق وخفّت الآفات المذكورة فلا بد في علاجه من استخراج ذلك الدم لئلا يعوق عود الإتصال إلى حاله فإن كان بحيث يمكن أن يتحلل بتسخيف المسام بالنطولات بمياه حارة ونحوها وبما يستعمل على المضروب مما نذكر وأيضاً بالأدوية المغشية للدم الميت والأدهان المحللة للأعياء وبأن يسقى أشياء من باطن تعين على التحليل فعل ذلك واقتصر عليه. وهذه المغشيات المعينة على ذلك مثل مقل اليهود والقسط والقنطوريون الغليظ بالسكنجبين ليعين السكنجبين أيضاً على ذلك بالتقطيع. وأما الأدوية المغشية للدم الميت فالضعيف مثل دقيق الشعير والزوفا الرطب والسميد المعجون بالماء والقوي مثلى الفودنج الجبلي مع سويق وخصوصاً إذا وقع في الرأس. وبالجملة ما له إرخاء بحرارة لطيفة يحلل تحليلاً لطيفاً وربما يجفف تجفيفاً لطيفاً فإن الشديد التحليل والتجفيف يستعجل في تأثيره فيحلل اللطيف ويحبس الكثيف بتجفيفه ويسد المسام أيضاً بتجفيفه فهذا القدر كاف للمؤنة في الأكثر فيما تفرّق اتصالاتها قريبة إلى الجلد وظاهرة غير غائصة فإن لم تكن كذلك وكانت التفرّقات كثيرة وغائضة وبعيدة من الظاهر لم يكن بد من الشرط وعلى ما الحال عليه في الأورام والقروح الرديئة ولا يكون حاله حال المضروب فإن المضروب قد انجذبت مادته إلى الجلد والجلد في طريق التقرح وهذا تفرق الإتصال فيه غائص غائر فلذلك لا يطيع فلا بد من استعمال الجاذبات بالقوة ومن المحاجم والشرط. وربما كان الأمر أعظم من هذا وصار العضو إلى تورّم عظيم خارجاً ويجمع فحينئذ يجب أن تبادر إلى التقيّح وإحالة ما يجتمع فيه مدة ليسكن الوجع بما يتقيح وتتحلل المادة بالتقيح فإن ذلك على كل حال يتقيّح ولأن يتقيح أسرع بمعونة العلاج فهو أسلم وربما حللته الأدوية المقيحة من غير تقييح خصوصاً إذا أعانتها الحرارة الغريزية وسعة المنافس ثم تأمّل الأدوية المذكورة في باب السقطة والصدمة. وأما الرباط الذي يستعمل على الفسوخ فقد قيل في صفته أنه إذا حدث رضّ أو فسخ فاربطه وليكن الربط على الموضع نفسه شديداً جداً واذهب بالرباط إلى فوق ذهاباً كثيراً يعني إلى ناحية الكبد وإلى أسفل قليلاً ولا تزد جبائر ولا رفائد ولا تطل عليه جباراً كثيراً لأنه يحتاج أن يتحلل ذلك الدم الميت ويحتاج إلى إمعان ذهاب الرباط إلى فوق لئلا ينصب إليه شيء ما ذهب إلى فوق فليكن أرخى ولتكن خرقة رقيقة صلبة ليحتمل الشد ويسرع اتصال التطوّل به وينصب العضو إلى فوق كما يفعل في نزف الدم. وهذا العلاج أعني الرباط ينبغي أن يكون قبل أن يرم العضو لأن العضو إذا ورم لم يحتمل غير الرباط المعتدل فضلاً عن شدة الغمز ولذلك يدارى حينئذ بالأضمدة وبمواصلة صب الماء الحار عليه. وأما الغدد التي تتبع الفسوخ فعلاجها بالأسرب يوضع عليها لئلا تزيد وتعظم وربما تفدغت وتفسخت. فصل في السقطة والصدمة بحجر أو حائط أو غيره إن السقطة والصدمة تؤلم وتؤذي بالفسخ والرضّ وتكون فيها مخاطرة بسبب تفرق اتصال العظام أو تفرق اتصال يقع في الأحشاء في أغشيتها وعصبها وفي العروق الكبار لتي لها وتكون فيها مخاطرة أيضاً بسبب شدة الألم. وكلما كانت الجثة أكبر كان الخطر أشد ولذلك صار الأطفال لا يعرض لهم في سقطاتهم من الأذى ما يعرض للبالغين. والغمد تكبر أيضاً في السقطات والصدمات والضربات ويحتاج أن يتدارك بما وصفناه في موضعه وقد تعرض من السقطة والصدمة آفات عظيمة من انقطاع جانب من القلب أو المعدة فيموت الممنو بذلك في الوقت وقد يعرض أن يحتبس البول والبراز أو يخرجا بغير إرادة وقد يعرض قيء الدم والرعاف الشديد بسبب انقطاع عرق في الرأس أو الكبد أو الطحال ونفخ البطن وشقة النفس وانقطاع الصوت والكلام. ومن أصابته صدمة أو سقطة أو غير ذلك فانقطع كلامه وانتكس رأسه وذبل نخسه وعرقت جبهته واصفرّ وجهه أو اخضرّ فإنه ميت في الحال. فإذا عرض له أو للمنخوس أو للمضروب ضرباً مبرحاً في الدم قيء الدم في الوقت ولين طبيعة فهو مائت وأسلمه أن يتقيأ دماً مخلوطاً بطعام خصوصاً إن كان قد تورم ظاهره ثم إذا استبطن الورم وسكن الورم ثم قاء بعد ذلك مدة فإنه يموت مكانه ومن وقع على صماخه وسال منه دم كثير فلا بد أنه يورم ويقتل ومن سقط على رأسه فإنه كثيراً ما لا يتكلم فإذا بقي إلى الثالث لا ينص ولا يزيد فيحقن في الثالث وينتظر إلى السابع ولا يحرّك قبل ذلك بشيء وصاحب السقطة إذا لم يحمر موضع سقطته فالعضو عصبي. فصل في العلاج يجب إن لم يكن كسر وخلع أو نزف دم أن تبادر إلى العضو المصدوم أو المرهون بالسقطة فيجعل عليه ما يشدده ومع ذلك فيلزم معالج هذا الباب ألن يتثبت حتى يظهر له أن ليس في الباطن سبب مبادر إلى الإتلاف فان احتاج أن يستظهر أكثر وأوجب الحال ذلك فيجب أن تبادر فتفصد وتستعمل حقنة لينة رقيقة ثم إن أمكنه أن يشدد الموضع ويشدد شقاً إن وقع بما نذكره بادر إليه والأدوية المحتاج إليها هي المشدّدة المغرية أيضاً والمحلّلة للمادة برفق وإرخاء كما في الفسخ والملحمة الملصقة من خارج وداخل وأجود غذائه الماش والحمص. وأما الأدوية التي يجب أن يتناولها من به فسخ أو صدمة أو سقطة فالفاضل المقدم فيها الموميا أي الخالص مع الدهن المعروف بالزئبق والشراب وربما تبع بشيء من الحقن يسقى الراوند الصيني مع مثقال من قوة الصبغ في شراب والطين المختوم وبعده اللاني والأرمني والسمّاق والأنزروت ينفع جداً بالجامه والشب ملصق نافع مسدد وهو مما يشتدّ نفعه. وللزرنيخ قوة عجيبة في جميع ما يحتاج إليه من الإلحام وتحليل الدم ومنع الورم ومنع الدم ومنع الآفة إذا سقي وعصارة للقنطوريون الأكبر والراوند والقسط والمقل مشروبات بالسكنجبين نافعة كلها ومما يسقونه للتليين والإطلاق الخيار شنبر ودهن اللوز. صفة قرص جيد: يؤخذ راوند صيني ثمانية لكّ أربعة فوة أربعة طين مختوم ثلاثة يقرص ويسقى في ماء الحمص ومن الأدوية التي توضع عليه الذريرة بالمر والمصطكي والمغاث إذا ضمد به أو شرب فله خاصية جيدة في الكسر والخلع وفي الوثي والفسخ والضربة والسقطة والصدمة فإنه يبرىء ويلحم سريعاً ويسكن الوجع وإن كان دشبذ للكسر صلّبه وقواه. ومن الأدوية المشددة الأقاقيا فإنه عجيب وفي الخبر أيضاً والصبر والطين الأرمني واللاني والمختوم والماش والسماق والجص والنورة المقتولين والأرز المسحوق ومن الملصقات الأنزروت ومن الكمادات الجيدة ورق السرو مطبوخاً بماء معصورر مخلوطاً بالزئبق وكذلك ورق الأثل وكذلك إن جعل فيها شب. صفة دواء مركب مجرب: يؤخذ من المغاث ثلاثة أجزاء ومن الخطمي الأبيض والأنزروت جزء جزء ومن الزعفران قليل وهو ضمّاد جيد نافذ القوة إلى الغور وأما إذا كانت الضربة لم تورث وجعاً شديداً ولم تخف أن ورماً عظيماً يسبق إلى الموضع لنقاء البدن ولا خيف التقرح ولا كان هناك عضو مجوّف فيجب أن تبادر إلى الإرخاء بالزيت المسخن ونحوه وهذا مثل المضروب على ظهره وعلى يده وفخذه فإن هذا التدبير يسكن منه الوجع. فصل في الصدمة والضربة على البطن والأحشاء قد ذكرنا من ذلك في الكتاب الثالث ما فيه غنية ويجب أن يكون عليه العمل ويجعل الغذاء كل ملين مبرد مثل اللبلاب والسرمق والخبّازي ومن المغريات أيضاً مثل لسان الحمل يسقى أيضاً في أول الأمر من العصارات المبردة مع مخالطة من ملين مثل عصير عنب الثعلب أو لسان الحمل أو الهندبا مع الخيار شنبر. ومما جرب أيضاً في هذا الباب أن يدق بزرقطونا ويؤخذ منه جزء من اللك والكهرباء من كل واحد نصف جزء وربع جزء ومن الزعفران سبع جزء والشربة منه درهمان بماء حار ويسقى قرصه بهذه الصفة. ونسخته: يؤخذ من الكهرباء عشرة ومن الورد خمسة ومن الأقاقيا المغسول أوقية ومن السنبل الهندي ستة ومن إكليل الملك عشرة ومن المصطكي أربعة ومن قشور الكندر أربعة ومن الطين الأرمني سبعة ومن الزعفران ستة ومن جوز السرو ثمانية يقرص بماء لسان الحمل وهذا موافق خاصة إذا جاوزت العلة الأولى الأول ويجعل الضماد من مثل. هذا الجنس. ونسخته: يؤخذ التفاح الشامي ويطبخ بمطبوخ ريحاني حتى ينضج وينعم دقه ويؤخذ منه مائة درهم ومن اللاذن عشرون ومن الورد سته عشر ومن السنبل والمصطكي والأقاقيا المغسول من كل واحد أربعة عشر جزءاً ويعجن بماء السرو المعصور مع لسان الحمل وماء الكزبرة أحب إلي ويجوز أن يخلط به دهن السوسن ويضمد به. فصل في حال المضروب بالسياط ونحوها وعلاجه يجب أن يكون طعام المضروب بالسياط من الحمص المقشر المرضوض ومن اللوبيا الأحمر المقشر ويسقى بَدَلَ الماء ماء الحمص المنقوع ويسقى أيضاً أدوية المصدوم والساقط وخصوصاً الطين الأرمني وأيضاً راوند وزنجبيل يسقى من مجموعها درهم ونصف بماء حار. وأما ما يوضع عليه فأفضل شيء له أن يؤخذ مسلاخ شاة قد سلخ في الوقت وهو حار رطب فيلزق على الموضع ويترك عليه لا يفارقه فربما أبرأه في اليوم الثاني. وقد حلل الورم ومنع العفونة وخصوص إذا ذر تحت المسلاخ شيء من ملح شديد السحق ومما يذر عليه الخزف المدقوق وتراب الأتون ونحو ذلك وأيضاً يؤخذ المرداسنج والإسفيداج أجزاء سواء ويتخذ منهما ضمّاد قيروطي بدهن ورد وشمع وأيضاً طلاء من كثيراء وزعفران بالسوية وإن بقي أثر أبطله الزرنيخ وحجر الفلفل وقد يذكر ههنا موت الدم ونحن ذكرناه في كتاب الزينة. فصل في الوثي أفضل علاج الوثي للمفاصل الأليّة والتمر يجعل عليه ويترك فإنه يبرئه إذا أصاب الوثي وقد ذكرنا في باب كسر العظام أدوية كلها تصلح للوثي فلتؤخذ من هناك وإذا تخلف هناك وجع فداره في الشدّ وإلاّ فلا تبال. فصل في السحج وفيه سحج الخفَ السحج انقشار يعرض في سطح الجلد بمماسة عنيفة وقد يكون مع ورم وقد يكون مع غير ورم وقد يكون الجلد كله انسحج فانقطع أو تدلى ويحتاج إلى إلصاقه فيعالج بالإلصاق الذي قيل في باب الجراحات ويجب ما أمكن أن لا يقطع الجلد بل تبسطه عليه ولو مراراً فإنه يلصق اَخر الأمر فإن لم يلصق ألصق بالمراهم المعمولة لهذا الشأن. وأما المكشوف فالأولى أن يلصق عليه الدواء من غير ربط إلا أن لا يمكن فإن تجفيفه بالأدوية بمعونة الهواء أجود. وأما السحج الخفيف فمن الأدوية الجيدة للسحج المفرد وخصوصاً سحج الخف أن تؤخذ الرئة وخصوصاً رئة الحمل وتلصق عليه فتبرئه. وإذا لم يكن ورم نفع منه الجلود الخلقة المحرقة أو دهن الورد والزرنيخ الأحمر والقرع المحرق عجيب جداً موثوق به وخاصةً في سحج الخف ومن الأدوية الخاتمة الملحمة المدملة جميع ما فيه قبض خفيف مثل الأقاقيا والعفص خصوصاً محرقاً وإذا فعل ذلك بالسحوج الخفيفة والخفية كفى وربما كفى أيضاً المرهم الأبيض. ومما هو أقوى أن يؤخذ إسفيداج الرصاص والأشق والدهن ودهن الورد والآس أو دهن الخروع ودهن السوسن يحل الأشق بالماء أو الشراب ويتخذ منه مرهم وربما كفى المرداسنج وحده بالشراب. والسمّاق مجفف للسحج الخفيف والشجني مانع للورم. ومن النطولات وخصوصاً إذا حدث شقاق من التسلخ ماء العدس وطبيخ الكشك والعدس وماء البحر مفتراً والتضميد بالمردي اليابس. وأما إن ذهب الجلد كله فيحتاج إلى أن يمنع الورم بما فيه تجفيف وختم قوي ويكون الأمر فيه أصعب. فصل في الوخز والخزق وإخراج ما يحتبس من الشوك والسهام والعظام الوخز والخزق متقاربان من حيث أن كلّ واحد منهما نفوذه من جسم حاد صلب في البدن وإنما يختلفان في حجم الجسم النافذ فيشبه أن يكون الوخز لما دق وصغر والخزق بالزاي معجمة لما حجم وعظم ويشبه أن يكون الزهر مع صغر النافذ يقتضي قصر المنفذ كأنه لا يعدو الجلد ومثل هذا فإنه خفيف المضرة إن لم يتعرض له وترك صلح بنفسه ولو في رديء اللحم اللهم إلا أن يكون في شديد رداءة اللحم فإنه ربما تورم موضعه وحدث به ضربان وخصوصاً إذا كان ذلك الغرز والوخز قد اشتد فصار نخساً واصلاً إلى اللحم ومثل هذا أكبر علاجه أن يسكن ورمه ووجعه ولا يحتاج إلى تدبير الجراحة. وأما الخزق فإنه يحتاج إلى تدبير الجراحة مع تدبير الوجع والورم. وقد قيل في تدبير الجراحة وتدبير الأورام ما فيه كفاية والذي لا بد من أن نذكر في هذا الموضع من أمر الوخز والخزق هو التدبير في إخراج ما احتبس في البدن من الشيء الواخز والخازق في البدن شوكاً كان أو نصلاً وما أشبه ذلك وهذا الإخراج قد يكون بالآلات المنشبة بالشيء الجاذبة له وقد يكون بالعصر وما يشبهه وقد يكون بخواص أدوية جاذبة تخرج ما يعجز عنه الكلبتان وسائر الآلات. فأما القانون فيما يخرج بالآلات المنشبة مثلا: استخراج النصول بالكلبتين المبردية الرؤوس ليشتد نشوبها فالقانون فيه أن يتوقى انكسار المقبوض عليه بها وأن يكون طريقها إلى المنزوع موسعاً لا يمنع جودة التمكن منه وأن يطلب أسهل الطريق لإخراجه إن كان نافذاً من جانبين فيوسع الجانب الذي هو أولى بأن يخرج منه توسيعاً بقدر الحاجة. وأما الحيلة في أن لا ينكسر فهو أن لا يحرك تحريكاً قوياً بغتة بل يقبض عليه فيهز هزاً يعرف به قدر انغرازه وتشبثه أو قلقه عنه ثم يجذب جذباً على الاستقامة وكثيراً ما يحتاج إلى أن يترك أياماً ليقلق فيه ثم يخرج وقد قال بعض العلماء بهذه الصنعة قولاً نورده على وجهه. إن انتزاع السهام ينبغي أن يتعرّف قبله أنواع السهام فإن بعضها يكون من خشب وبعضها يكون من قصب وأزجتها تكون من الحديد ومن النحاس ومن الرصاص القلعي ومن القرون العظام ومن الحجارة ومن القصب ومن الخشب. وبعضها يكون مستديراً وبعضها يكون له ثلاث زوايا وأربع زوايا ومنها ما له ألسن لسانان أو ثلاثة ومنها ما يكون له زجّ ومنها ما لا يكون له زجّ والذي له زجّ فربما كان زجّه مائلاً إلى خلف لكي ما إذا مدّ إلى خارج تعلق بالجسم وفي بعضهم يكون الزجّ مائلاً إلى قدام ليندفع ومنها ما تكون أزجته تتحرك بشيء شبيه بلولب فإذا مدّت إلى خارج تنبسط فتمنع السهم من الخروج وبعضه يكون زجّه عظيماً ويكون له طرف قدر ثلاث أصابع وبعضها قدر إصبع وتسمى ذبابية وبعضها يكون بسيطاً وبعضها يكون قد زيدت عليه حدائد دقاق فإذا أخرج السهم بقيت تلك الحدائد في عمق الأجسام وبعضها يكون زجّه مغروزاً في السهم وبعضها لزجّه أنابيب تدخل فيها السهام وبعضها تستوثق من تركيبه وبعضها لا يستوثق منه لكي ما إذا جذب إلى خارج فارق السهم الزجّ فبقي الزجّ في الجسد وبعضها يكون مسموماً وبعضها لا يكون مسموماً فالسهم يخرج على نوعين أحدهما الجذب والآخر الدفع وذلك أن السهم إذا نشب في ظاهر الجسد يكون إخراجه بالجذب ويستعمل أيضاً الجذب إذا نشب السهم في عمق الجسد وكان يتخوف من المواضع التي تكون قبالة السهم أنها إن جرحت عرض منها نزف دم مهلك أو أذى شديد ويخرج السهم بالدفع إذا نشب في اللحم وكانت الأجسام التي تستقبلها قليلة ولم يكن هناك شيء يمنع من الشق لا عصب ولا عظم ولا شيء آخر يشبه هذه الأشياء. فإن كان المجروح عظماً فإنا نستعمل حينئذ الجذب فإن كان السهم ظاهراً جذبناه وإن كان خفياً ينبغي كما قال بقراط إن أمكن المجروح أن يصير نفسه على الشكل الذي كان عليه عندما جرح فينبغي أن يستدل به على السهم وإن لم يمكنه ذلك فينبغي أن يستلقي على ما يمكنه من الشكل وأن يستعمل التفتيش والعصر. وإن كان قد نشب في اللحم فليجذبه بالأيدي أو بخشبته إن كانت لم تسقط سيما إن لم تكن من قصب فإن كانت سقطت الخشبة فليخرج الزج بكلبتين أو بمنقاش أو بالآلة التي يخرج بها السهام. وينبغي في بعض الأوقات أن تشق اللحم شقاً أكثر إذا لم يمكن أن يخرج الزج من الشق الأول وإن صار السهم إلى قبالة العضو المجروح ولم يمكن أن يخرج من الجانب الذي منه دخل فينبغي أن تشقّ تلك المواضع التي قبالته ويخرج منها إما بالجذب وإما بالدفع إن كانت خشبة الزج فيه. وإن كانت الخشبة سقطت فليدفع بشيء آخر ويدفع به الزج إلى خارج وينبغي أن لا يقطع وإن كان للزجّ ذنب فإنا نعلم ذلك من التفتيش وينبغي أن يدخل ذلك الذنب في أنبوب الآلة التي بها يدفع السهم ويدفعه بها فإذا خرج الزج ورأينا فيه مواضع محفورة ويمكن أن يصير فيها حدائد أخر دقاق فلنستعمل التفتيش أيضاً. فإن أصابنا شيء من هذه الحدائد أخرجناه بهذه الحيل فإن كان للزج شعب مختلفة ولم تجب إلى الخروج فينبغي لنا أن نوسع الشقّ إن لم يكن بالقرب من ذلك الموضع عضو نتخوف منه حتى إن انكشف الزج أخرجناه برفق. ومن الناس من يجعل تلك الشعب في أنبوب لئلا يخرج اللحم ثم إن كان الجرح ساكناً ليس به ورم حار استعملنا الخياطة أولاً ثم العلاج الذي ينبت اللحم. وإن كان قد عرض للجرح ورم حار فينبغي أن نعالج ذلك بالتنطيل والأضمدة. وأما السهام المسمومة فينبغي أن نقوّر اللحم الذي قد صار إليه السهم إن أمكن ويعرف ذلك اللحم من تغيّره عن اللحم الصحيح. فإن اللحم المسموم يكون رديء اللون كمداً وكأنه لحم ميت فإن انغرز السهم في عظم أخرجناه بالآلة فإن منع من ذلك شيء من اللحوم فينبغي أن نقوره أو نشقه. فإن كان السهم قد انغرز في عمق العظم فإنا نعلم ذلك من ثبات السهم وقلة حركته وإذا نحن حرّكناه فينبغي لنا أن نقطع أولاً العظم الذي يكون فوق السهم بمقطع أو نثقبه بمثقب ثقباً حوله إن كان للعظم ثخن ويتخلص السهم بذلك فإن كان السهم قد انغرز في شيء من الأعضاء الرئيسة كالدماغ أو القلب وفي الرئة أو البطن أو الأمعاء أو الرحم أو الكبد أو المثانة وظهرت علامات الموت فينبغي أن نمتنع من جذب السهم فإنه يكون من ذلك قلق كثير ولئلا يصير علينا موضع كلام من الجهال مع قلة نفعنا للعليل فإن لم تكن ظهرت علامات رديئة أخبرنا بما نتخوف من الأحداث ونقدم القول في العطب الذي يعرض من ذلك كثيراً ثم نأخذ في العلاج فإن كثيراً ممن أصابه ذلك سلم على غير رجاء سلامة عجيبة. وكثيراً ما خرج جزء من الكبد وشيء من الصفاق الذي على البطن والثرب والرحم كلها فلم يعرض من ذلك موت على أنا إن تركنا السهم أيضاً في هذه الأعضاء الرئيسة عرض الموت على كل حال ونسبنا إلى قلّة الرحمة وإن انتزعنا السهم فربما سلم العليل أحياناً. فصل في الأدوية الجانبة يجب أن نضع على موضع الناشب الأشق فإنه جاذب قوي ويؤخذ أصل القصب ويدق ويضمّد به وربما عجن بالعسل والخبز وأيضاً ورق الخشخاش الأسود وورق شجر التين مع سويق أو بزر البنج خصوصاً مع قلقديس وكذلك ثمرة البنج بحالها وأيضاً الخيري بأصنافه والزراوند وبصل النرجس. ومن الحيوانية أشياء كثيرة منها: الضفادع المسلوخ وهو عجيب جداً لما ينشب في العظام ولذلك يقلع الأسنان والسرطان أيضاً مسحوقاً والأريبات والأنافح كلها وقيل أن العظاءة شديدة ومن المركبات رأس العظاءة مع الزراوند الطويل وأصل القصب وبصل النرجس. وأما المختصة بجذب العظام الفاسدة من تحت القروح المندملة فنذكرها في باب العظام. فصل في قانون علاج حرق النار الغرض في علاج حرق النار غرضان: أحدهما منع التنفط والثاني إصلاح ما احترق. ويحتاج في منع التنفط إلى أدوية تبرد من غير أن يصحبها لذع. وإما من حيث يعالج الحرق فيحتاج إلى أدوية فيها جلاء ما مع تجفيف ما غير كثير ومن غير أن يلذع مع أن يكون معتدلاً في الحر والبرد وإذا احتيج إلى التدبيرين معاً دبر بالبرد أولاً ثم إن احتيج إلى الثاني فعل. وأما إن أدرك وقد تنفط فالواجب هو التحبير الثاني وأدويته مثل القيموليا والأطيان الخفيفة الحجم والعدس المطبوخ والمداد الهندي ونحوه. وأما مثل الكندر والعلك والدسومات فإنها لا تصلح لذلك لأن بعضها أسخن مما ينبغي ولا يخلو عن قوة لذع وبعضها أرطب مما ينبغي. فصل في الأدوية الحرفية التي بحسب الغرض الأول يؤخذ صندل وفوفل واَجر أبيض جديداً وخزف يُطلى بماء عنب الثعلب وماء الورد أو مرهم من مخ البيض ودهن الورد وأيضاً هندبا ودقيق الشعير مغسولاً ومخ البيض ودهن الورد وأيضاً العدس المسلوق مع دهن الورد وأيضاً الطين الأرمني والخل وأيضاً دهن الورد والشمع على ما ينبغي ثم يجعل فيها من النورة المغسولة غسلاناً تاماً مع إسفيداج وأفيون وبياض البيض وشيء من اللبن. وأيضاً: يؤخذ ورق الخبازي فيسلق سلقة بماء عذب ثم يسحق وينقى من الأشياء الخيطية التي فيه ثم يجمع إليه مرداسنج مربى وإسفيداج القلعي من كل واحد جزءان ونصف ومن دهن الورد أربعة أجزاء ومن ماء عنب الثعلب وماء الكزبرة من كل واحد جزء. فصل في الأدوية الحرقية التي بحسب الغرض الثاني أجود الأشياء لذلك مرهم النورة ونسخته: تؤخذ النورة وتغسل سبع مرات حتى تزول حدتها كلها ثم تضرب بدهن الورد أو الزيت وقليل شمع إن احتيج إليه: وربما زيد عليه طين قيموليا وبياض البيض وقليل خل خمر. مرهم النورة بصفة أخرى: تغسل النورة كما علمت ويتخذ منها بماء ورق السلق وورق الكرنب ودهن الورد والشمع مرهم ومما يصلح ههنا أو حيث لا يخاف تبثر وتنفط أن ينثر عليها ورق الأثل المحرق أو الخرنوب المحرق. مرهم جيد يصلح لقليل الحرارة وهر طويل التأليف جرب فوجد جيداً. ونسخته: يؤخذ إخثاء البقر الراعي المجفف وقشور شجرة الصنوبر ومشكطرامشيع من كل واحد عشرة دراهم ومن المراداسنج ثلاثة ومن خبث الفضة إثنان ومن خبث الرصاص أربعة ومن النورة المغسولة بالماء البارد مراراً كثيرة خمسة ومن القيموليا خمسة ومن الطين القبرسي أو الرومي أو الأرمني ومن إسفيداج الرصاص سبعة سبعة عصا الراعي المدقوق عشرة مداد فارسي أو صيني ستة توتياء خضراء سبعة بعر الضأن عشرة حب اللبلاب وورقه خمسة عشر خمسة عشر خبث الحديد وعصارة ورق الخطمي وعصارة ورق الخبازي عشرة عشرة سوسن أزاد وبصلة وسوسن أسمانجوني وزعفران خمسة خمسة كافور أربعة موم ودهن ورد ومخ الأيل وشحمه مقدار الكفاية. ومما هو أشدّ قوة ويصلح لما هو أقل حرارة أن يؤخذ برادة النحاس والحديد يعجن بالطين الحر أو الطين الأحمر ثم يحرق في تنور أو أتون ويقرّص ويحفظ ويستعمل ذروراً حيث يحتاج إلى تجفيف أو يطلى بدهن الورد ومن هذا القبيل أيضاً يحرق خرء الحمام في خرقة كتان حتى يترمد ويطلى بدهن فهو عجيب. والمواضع المقرحة ينفع منها الكراث المسلوق أو بقلة الحمقاء مع سويق وورق الآس المسحوق ذروراً فإن استعصى فورق الأثل المحرق أو ورق الينبوت المحرق وإن كان أعصى من ذلك فصل في حرق الماء المغلي قد يتفق أن تنصب قدراً تغلي أو ماء حاراً على عضو من الإنسان فيفعل فعل النار والأصوب له أن تبادر في الحال قبل أن يتنفط فيطلى بمثل الصندل وماء الورد والكافور ولا يترك يجف بل يتبع كل ساعة بخرقة مغموسة في ماء بارد مثلوج فإن هذا يمنعه من أن يتنفّط وقوم يبادرون فينثرون عليه ماء الزيتون أو ماء الرماد. والأجود أن يسحق أيهما كان بالسويق أو مرهم النورة وأيضاً الدواء المتخذ من زبل الحمام المذكور عجيب جداً والقروح تعالج بالكراث المسلوق أو المجفف المسحوق وهو أجود أو بسائر ما قلنا في الباب الأول. فصل في نزف الدم وحبسه قد علم في الكتاب الأول أن الدم الذي يخرج عن العروق إنما يخرج إما لانفتاح فوهاتها بسبب ضعف من العروق أو لشدة من الإمتلاء أو لحركة قوية حتى الصيحة والوثبة وإما بخار جاذب يرد من خارج وإما لانصداعها وانقطاعها بسبب قاطع فساخ أو بسبب تأكّل من داخل أو شدّة حركة مع امتلاء وإما للرشح عنها التهلهل واقع لجرم العرق وصفاقه وأولى العروق أن يسيل ما فيه إذا وجد طريقاً هو الشريان فإن جرحه متحرك وما فيه تارة ينقبض وتارة ينتشر وإذا لم تضيق عليه مكانه بعد تفرق اتصاله ووجد خلاء آل الأمر إلى أبورسما المسمى أم الدم والشريان وإن كان مما يلتحم فهو مما يعسر التحامه وكثيراً ما لا يلتحم الشريان ويلتحم ما يحيط بالشريان ويضيق عليه فلا يقدر الدم على سيلان فاحش بل يخرج منه شيء إلى ناحية الجلد بقدر ما يسع فإذا رفق به بالغمز عاد واستبطن كما يعرض للعنق وربما بقي العرق نفسه تحت الجلد يحس بنبضه وبعتقه وكثيراً ما يعرض ذلك للشريان من باطن فيتفتق من غير أن ينفتق الجلد فيحصل تحت الجلد أبورسما ورماً ليناً من دم وريح يمكن أن يسكن بالغمز فهذا كثيراً ما يعرض في العنق والأربية والمأبض من تلقاء نفسه وكثيراً ما يعرض من سبب من خارج ومن فصد وكثير من الأطباء ظنوا أن كل فتق للشريان يؤدي إلى أم الدم لأنه لا يلتحم بل أكثر ما يكون أن يلتحم ما حوله ويصير الورم المعروف وأما هو نفسه فلا يلتحم وليس الأمر كذلك. أما من نفى الإلحام فقد احتج بقياس وتجربة. أما القياس فلأن إحدى طبقتي الشريان غضروفية والغضروف لا يلتحم. وأما التجربة فلأنه ما رؤي التحم. وقابلهم جالينوس بقياس وتجربة. أما القياس فخطابي وصورته أنه بين الملتحم كاللحم وغير الملتحم كالعظم فيجب أن يكون ملتحماً ولكن صعب الإلتجام. وأما التجربة فالمشاهدة فقد حكي أن كثيراً من الشرايين داواها فالتحمت وكان هذا شيء قد كنا فرغنا منه لكنا نقول الآن أن الأعضاء تختلف حال انبعاث الدم منها فمنها غزير انبعاث آلم إذا انفتق مثل الكبد والرئة ومنها قليل انبعاث الدم. وفي كل واحد من القسمين ما هو خطر وغير خطر مثل انبعاث الدم من الرئة ومن الأنف فإن ابنعاث الدم من الرئة خطر ومن الأنف غير خطر وكلاهما ينبعث عنهما دم كثير. ومثل انبعاث الدم عن المثانة والرحم والكلية فإنها لا ينبعث عنها دم كثير جداً جملة بل ربما كثر بطول المدة فأدى إلى عاقبة غير محمودة. ويختلف حال النزف من الشرايين فيكون في بعضها صعباً جداً خطراً مثل الشرايين الكبار على اليد والرجل فإن أمثال ذلك يقتل في الأكثر فلا تحتبس وفي بعضها سهلاً مثل شريان القحف فإن حبس نزفها سهل ويكفي فيه الشد وحده وكثيراً ما يسيل من الشرايين الصغار دم ثم يحتبس من تلقاء نفسه وقد تعرف الفرق بين دم الشريان وغيره أن دم الشريان يخرج نزواً ضربانياً أرق وأشدَ أرجوانية من غيره ليس إلى سواد دم الوريد وقتمته. واعلم أن كل من وقع له استفراغ وخصوصاً دموي وخصوصاً شرياني فأفرط وحدث به تشتج رديء وكذلك إن حدث به فواق فهو قاتل وإن كان غشياً مع فواق فالموت عاجل والهذيان واختلاط العقل رديء فإن قارن التشنج فهو قتال في الأكثر. يجب في علاج نزف الدم أن تبتدىء فتحبس ثم تعالج. قرحة إن كانت ولا يمكنك أن تحبس فيما سببه ثابت من أكال أو نحوه إلا بأن يزال السبب وإن كان الحال لا يمهل إلى إزالة السبب احتاج أن يحبس بحوابسه وهي الأسباب التي لها ينقطع الدم السائل وتلك الأسباب معلومة من الكتاب الأول إلا أنا نذكرها على وجه الإستظهار فنقول أن تلك الأسباب إما أن تكون صارفة إلى جهة غير جهة ذلك المخرج وإما أن تكون مانعة في ذلك المخرج عن الخروج وإما أن تكون جامعة لأمرين من ذلك أو أمور. والقسم الأول وهو الصارف إلى جهة أخرى إما أن يكون بجذب إلى الخلاف من غير اتخاذ مخرج آخر كما توضع المحاجم على الكبد فيرقأ الرعاف من المنخر الأيمن وإما بإحداث مخرج آخر كما يفصد المرعوف من اليد المحاذية للمنخر فصداً ضيقاً. وأما الحابسة دون المخرج فتكون بما يمنع حركة الدم ونفوذه وهو: إما لسبب مخثّر وإما لسبب مخدر. والمخدر إما دواء وإما حال للبدن كالغشي فإنه كثيراً ما يحبس الدم. وأما بخشكريشة بكي أو بدواء كاو وإما بجمود علقة وإما بتغرية أو تجفيف أو إلحام وإما بضغط من اللحم المطيف بالعرق فيسده ويطبقه إطباقاً شديداً. ويجب أن تعلم أنه إذا صحب الجراحة ورم تعذر كثير من هذه الأعمال فلم يمكن الربط بالخيوط ولا إدخال الفتائل ولا الشد العنيف وإنما يمكن حينئذ استعمال التغرية والقبض والتخدير وتخثير الدم وإن كان علاج من شد أو شق أو تقريب دواء إذا كان موجعاً فهو رديء جداً وكل نصبة موجعة فرديئة ويجب أن تكون النصبة جامعة لأمرين أحدهما فقدان الوجع والآخر ارتفاع جهة مسيل الدم فلا تُعان بالتدلية والتعليق فيسهل بروز الدم وخروجه. وإذا تمانع الغرضان ميل إلى الأوفق بحسب المشاهدة والأقرب من الإحتمال في الحال ونحتاج الآن أن نذكر وجهاً وجهاً بعد أن تعلم أن أول ما يجب أن يتفقد أن تعرف هل العرق شريان أو وريد بالعلامة المذكورة فتحتفل بالشريان وتعتني به أكثر مما تفعل ذلك بالوريد ثم نقول فأما الجذب بالخلاف لا إلى المخرج فمن ذلك إيلام العضو بالدلك أو بالربط. والشد أو بالمحاجم ويجب أن يكون العضو عضواً مشاركاً موضوعاً من الموضع المؤف وضعاً على طرف خط واحد يصل بينهما في الطول أو العرض ويختار من المخالف في الوضع طولاً وعرضاً أيهما كان بعيداً ويترك ما كان قريباً مثل ما يكون في جانبي الرأس أو جانبي اليد فإن البعد بينهما أقرب مما يجب أن يتوقع منه التصرف التام وهذا شيء يحتاج أن يتذكر ما قلناه فيه حيث تكلمنا في الكتاب الأول في قوانين الإستفراغ ويجب أن يكون الشد والدلك ونحو ذلك متأدياً مما هو أقرب إلى العضو الدامي ثم ينزل عنه. ويجب أن لا يتوقع في فتوق الشرايين ونحوها أن يكون هذا الصنع كافياً في حبس النزف بل مغنياً وكذلك الحكم في فصد الجانب المشارك المباعد. وأما أحد وجهي القسم الثاني وهو السبب المخثر فمثل أن يطعم من يكثر رعافه أو غير ذلك أغذية غليظة الكيموس مخثرة للدم كالعدس والعناب ونحو ذلك. وأما الوجه الثاني فمثل أن يسقى المخدرات والماء البارد ويعرض البدن للبرد وينوم وربما نفع الغشي وحبس النزف. وأما الوجه المذكور للقسم الآخر فيجب أن تراعي فيه باباً واحداً وهو أنه ربما كان الشريان ليس إنما اتصل بالقلب من جانب واحد من جانبيه حتى إذا سددته وحده أمنت بل ربما اتصل بالجانب الآخر شعبة من شريان آخر تعترض فيه وتؤدي الدم إليه من غير الطريق الذي سددته فيحتاج إلى سدين وقبل ذلك فيجب أن تعرف الجهة التي هي المبدأ للعرق ففي بعض المواضع يكون من أسفل كما في العنق وفي بعضها من فوق كما في الفخذ والرجل فإذا حصلت الجهة استعملت فيها الربط والشد ومن التدبير في ذلك أن يتوصل إلى إخراج العرق بصنارة أو بشق قليل للحم الذي يغطيه ويخفيه ثم تلفه ثم تستعمل له الأدوية التي نذكرها وإن كان ضارباً فالأولى أن تعصبه بخيط كتان وكذلك إن كان غير ضارب إلا أنه كبير لا يرقأ دمه فإذا فعلت ذلك ألزمته الأدوية وتركت الربط إلى اليوم الثالث والرابع وحينئذ فإن رأيت المواء المغري لازماً وإن عرض له تبرء من تلقاء نفسه عند إزالتك ما فوقه فاضبط بإصبعك ما دون الموضع في طريق مجيء العرق واغمزه غماً تأمن من معه توثب الدم واقلع ما قد تبرأ منه وقلق في موضعه وبدله بغيره وتكون نصبتك للعضو في ذلك الوقت على ما ينبغي وهو أن تكون الفوهة أعلى من المبدأ حتى إذا كان مثلاً في أسافل المعي أو الرحم فرشت فراشاً يقل الأسافل وبطأ طيء الأعالي على أبعد ما يكون من الوجع ثم اتركه ثلاثة أيام يلزم هذه الوتيرة إلى أن يرقأ الدم. وأما الردم بالإلقام فذلك إنما يمكن في الشريان العظيم بأن تتخذ فتيلة من وبر الأرنب أو نسج العنكبوت أو رقيق القطن أو خرق الكتان البالية ثم تذر عليها الأدوية المغرية والمانعة للدم وتدسّ في نفس الشريان كاللقمة ثم تشد عليه الرباط وربما استعملت الفتيلة من مثل وبر الأرنب وحده فكفت المؤنة ويجب أن تشد شداً لازماً لا يفارق حتى يلتحم. وأما الفتيلة فالطبيعة تدبر أمرها في إخراجها قليلاً قليلاً ودفعها أو في غير ذلك. وأما الردم بلا إلقام فبأن يوضع مثل ذلك الشيء في الفوهة ويشد عليها من غير إنفاذ له في العرق وأن تحبس بمثل الرفائد وخصوصاً الإسفنجية وبالعصابات القوية الشدً والشد الشديد بها بعكس الشد الذي يكون للجذب فإن الشد الأول يجب فيه أن يكون بقرب الفوّهة ثم يلفّ ذاهباً إلى خلف ويقلل الشد بالتدريج وههنا يكون بالخلاف. واعلم أن شد الرفائد والعصائب إذا كانت ضعيفة جاء منها مضرة الشد وهو الجذب ولم تجىء منها منفعة الشدّ وهو الحبس والردم فيجب أن يتلطف في هذا الباب فإذا شددت شداً جيداً شددت أيضاً من الجانب المخالف لتميل المادة وتقاوم جذب هذا الشدّ وإنما يجب أن يبلغ بالشد المنع دون الإيلام اللهم إلا أن تحتاج إليه أولاً ثم ترخيه قليلاً قليلاً. وكثيراً ما تحتاج أن تخيط الشق من اللحم وتضم شفتيه وتعصبه وكثيراً ما يكفي ضم الشفتين ووضع رفائد حافظة للضمّ عرفتها ثم شد على أدوية تنثر ملحمة. ومثل الودج إذا انفتق يجب أن تضغطه عند ابتدائه بأصابع إحدى اليدين ثم تلزمه الأدوية والرفائد عند الفوهة باليد الأخرى. وأما الردم بالعلقة فالعلقة تحصل إما بشدّ رادم في وجه الفوهة لا يزال يمسك حتى يجمد الدم فيصيرردماً وإما بشيء مبرد جداً يؤثر في الدم ويجمد في الفوّهة. وأما الضغط من لحم الموضع فمثل أن يقطع العرق عرضاً فيتقلّص إلى الجانبين أول مرة فينطبق عليه اللحم من الجانب الذي يسيل منه وهذا لا يكون إلا في الموضع اللحيم وكثيراً ما يتفق أن يحتاج إلى قطع شعبة من طرف العرق ليكون دخوله في الغور أشد ثم تجعل عليه الأدوية وكثيراً ما يقع التحام المجرى من غير أم الدم. وأما الشد بالخشكريشة فيكون بالنار نفسها إذا عظم الخطب ويكون بالأدوية الكاوية مثل النورة والزنجار والزاجات والزرانيخ والكمون أيضاً ونحوها فيما هو أضعف إذا ذرت على الموضع وكذلك زبد البحر فكثيراً ما ينثر على الموضع ويشد فيحبس. لكن الخطر في ذلك أن الخشكريشة سريعة الانقلاع من ذاتها ومن أدنى مقاومة من إحفاز الدم وأدنى سبب من الأسباب الأخر فإذا سقطت الخشكريشة عاد الخطب جذعاً ولذلك أمروا أن يكون الكي بالنار بحديدة شديدة الإحماء قوية حتى تفعل خشكريشة عميقة غليظة لا يسهل سقوطها أو تسقط في مدة طويلة في مثلها يكون اللحم قد نبت. فإن الكي الضعيف يحصل منه خشكريشة ضعيفة تسقط بأدنى سبب ومع ذلك فتجذب مادة كثيرة وتسخن تسخيناً شديداً. وأما الكي القوي فيردم بالخشكريشة القوية ويزيل الفتق ويضمره ويقبضه. ومن الكاويات الجيدة المعتدلة التدبير أن يؤخذ بياض البيض ويمع بنورة لم تطفأ ويلوث به وبر الأرنب أو نحوه ويجعل على الموضع ويشد. ومن الجيد البالغ كثيراً أن يؤخذ الكمون والنورة ويجعل على الموضع ويشد وقد يزاد عليها القلقطار والزاجات وهذه الجملة ذوات فبض مع الكي. والنورة لها كي وليس فيها قبض يعتد به والمتولّد من الخشكريشات بكيّ ما له قبض أطول ثباتاً وأعمق وعصارة روث الحمار وجوهر روث الحمار مما يجمع إلى الكي بالحدّة تغرية. وأما الأدوية الحابسة بالتغرية فمثل الجبسين المغسول واللك المطبوخ والنشاء وغبار الرحا والصموغ والكندر والريتيانج. وأيضاً زبيب العنب نفسه والضفدع من هذا القبيل فيما يقال وأيضاً كوكب ساموس. وأما الأدوية الحابسة بالتجفيف والإلحام فمثل: الصبر ونشارة الكندر ومثل عجم الزبيب المدقوق جداً والعفص يدهن ويحرق فإذا تم اشتعاله يطفأ والبردي المحرق والريتيانج المقلو وصدأ الحديد وزبل الفرس وزبل الحمار محرقين وغير محرقين ورماد العظام ورماد الصدف غير مغسولين فإن المغسول من باب المغري والإسفنج الجديد المغموس في زيت أو شراب ثم يحرق والشعر المحرق. فصل في صفة أدوية مركبة من أصناف شتى قوية في منع النزف ومما ذكر جالينوس ووصفه وصفاً جيداً وجربه من بعده فوجد كثير النفع أن يؤخذ قلقطار عشرين ودقاق الكندر ستة عشر وصبر وفلفل وعلك يابس ثمانية ثمانية وزرنيخ أربعة وجبسين شديد السحق مهيأ بعد النخل عشرين يعالج به ذروراً على الفتائل ونثراً على الموضع فإنه عجيب. أو ويؤخذ عنزروت وصبر ومصطكي ودم الأخوين ويجعل على فتيلة ويشد أو وأيضاً يؤخذ إسفنج محرق كما ذكرنا وآخر محرق يؤخذ سحيقه وخبث الرصاص والتوتيا والصبر أخرى أو يؤخذ كندر وصبر وكبريت أو يؤخذ كندر وكبريت فيتخذ ذروراً أو يستعمل فتيلة ببياض البيض أو يؤخذ من القلقطار عشرون ومن الكندر أو دقاقه ثمانية ومن الريتيانج ثمانية ومن الجبسين المحرق ثمانية أو يؤخذ من القلقطار والنحاس المحرق والقلقديس والزاج المشوي سواء. ومن الجيد للنزف الدموي وخصوصاً من الرأس أن يؤخذ من الصبر جزء ونصف جزء أولهما قي البدن الجاسي وثانيهما في البدن اللين ومن نشارة الكندر في الجاسي جزء ومن الكندر نفسه الدسم في البدن اللين جزء ويقتصر عليهما أو يجعل معهما دم الأخوين والأنزروت ويعجن كل ببياض البيض ويجعل على وبر الأرنب أو يذرّ بحسب الموضع.
|